ما بين الحديد واللحم، والفولاذ والعظم
هناك في تقاطع شيبويا، رأيت الله أحسن الخالقين.
تقاطع شيبويا في طوكيو يعتبر معلم سياحي، يأتي اليه السياح لالتقاط صورهم وهم يعبرون التقاطع. روّج للتقاطع عدة أفلام اتخذته رمزًا لطوكيو. التقاطع يبدو مزدحمًا بالسياح فقط! ويغذّي الزخم البشري محطّة شيبويا الرئيسية.
التقاطع ذو أربع أذرع، تفتح إشاراتها تباعًا لتنظيم السير. كل سيارة تعلم ما تفعل. تلك الإشارات تضيء وتطفء بتوقيت ممتاز. شبكة التحكّم بالسير مركزيّة ومعقدة جدًا. هناك أجهزة إلكترونية ومجسّات لحساب الضغط المروري. السيارات التي تعبر لها مسارب محددة، لا يمكن ان تتوه عن مساربها. بعض المركبات سريعة وأخرى ثقيلة وبطيئة، ولكنها كلها تتناغم وتسير في نظامٍ موّحدٍ، لا سريع ولا بطيء. بعض السيارات لديها قدرة لتسارع فائق، إن حالفها الحظ أن تكون الأولى في الصف، فتختفي مع أول خُضرة.
هكذا تباعًا حتى تضيئ الإشارات الحمراء في كل الأذرع، وتتوقف الآلات عن الرقص. فجأة. تضيء خضراءُ من كل زاوية، لتعلن الإذن بقطع الشارع لآلات من لحم ودم، وعصب وعظم.
يهب الناس من الجهات الأربع. بتسارع يفوق خيال الآلة الفولاذية (إن كان لها خيال). بتناغم مدهش، يخرج الناس من كل الأعمار والأجناس والأحجام في نفس الوقت، بعضهم أسرع يتخلل الحشد وآخر يبطئ فيتعداه الآخرون بدون مبالاة. كلّ له محرّكه، وقدرته على المناورة الخفية الرقيقة، كلّ له مساحة صغيرة يتحرك بها، وله مجسّات يعلم بها ما هو آتٍ، وما وراءه، وعليه يزيد في سرعته أو يبطئ، ينحرف شمالًا أو يمينًا. ثم تأتي اللحظة الحاسمة، تلتقي الجهات الأربع في الوسط! فتنظر الآلات الحديدية (إن كان لها نظر) وقد أخذتها الغيرة والحسد. الآلات الآدمية تراوغ بخفة، وسرعة، فينخرطون ببعض، وبعد أقلّ من دقيقة ينفصلون عن بعض، كلّ قد اتنهى به إلى الجهة التي يصبو إليها، بدون حوادث! بدون تصادم! وبدون أن يلقوا ما بأيديهم، من حديث لهوٍ مع صديق، أو محادثة عملٍ على الهاتف، أو جرّ عربةٍ من المشتريات، أو مسايرة كبيرٍ أو صغيرٍ، أو تضييع وقتٍ على هاتف "ذكي!" ياللعجب، هاتف لا يقوى على شيء يسمّى ذكيًّا، بيد غبيّ يراوغ تقاطع شيبويا بلا اهتمام!
تلك الآلات من صنع الإنسان، وذاك اللحم والعظم والعصب من صنع ربّي. وشتان بين ما صنع الإنسان، وما صنع ربّ الإنسان
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللـه أحسن الخالقينالمؤمنون 14
هذا خلق اللـه فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبينلقمان 11.
قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون اللـه أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورافاطر 40
قل أرأيتم ما تدعون من دون اللـه أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقينالأحقاف 4
هناك في تقاطع شيبويا، رأيت الله أحسن الخالقين.